
رحل الممثل والمخرج الفلسطيني محمد بكري اليوم الأربعاء بعد أقل من شهر على بلوغه الثانية والسبعين عاماً، ويعد من أحد أبرز الوجوه الفنية الفلسطينية التي حملت هموم هذه القضية إلى خشبة المسرح وشاشات السينما العربية والعالمية.
وترك بكري، الذي وُلد في قرية البعنة في الجليل الفلسطيني المحتل، وشبّ وترعرع بين نضاله الفني والإنساني، بصمة صارخة في تاريخ السينما من خلال أعماله الدرامية والوثائقية التي تناولت الحياة الفلسطينية تحت الاحتلال، وكان صوتاً قوياً للفلسطينيين في الساحة الفنية.
بدأ محمد بكري مشواره في التمثيل والمسرح، قبل أن يمتد إلى السينما، إذ شارك في أعمال مع مخرجين مهمّين، وجسّد أدواراً عدة في أفلام تتنوع بين المحلية والعالمية، بينها "حيفا" (1995) للمخرج رشيد مشهرواي، وفيلم "واجب" (2019) للمخرجة آن ماري جاسر. ومن أعماله اللافتة في المسرح، "المتشائل"، التي أخرجها بنفسه وقدّمها على الخشبة في عدة مدن عربية.
الأهم، هو أن بكري قد شقّ طريقه في صناعة الأفلام الوثائقية، وكان فيلم "جنين، جنين" (2002) من أبرز أعماله؛ إذ وثّق آثار الاجتياح الإسرائيلي لمخيم جنين، وجسد من خلاله معاناة الناس وروح المقاومة الفلسطينية، حتى حاز الفيلم جوائز دولية رغم التحديات القانونية التي واجهها.
لم يُستقبل الفيلم كعمل سينمائي فحسب، بل كفعل اتهام، ما أدخل بكري في دوّامة طويلة من الملاحقات القضائية والاستدعاءات إلى المحاكم، وفرض عليه دفع مبالغ كبيرة، فضلاً عن التضييق والمنع. ومع ذلك، لم يتراجع عن قناعته بأن الخطر الحقيقي هو طمس السردية الفلسطينية، لا تبعات الدفاع عنها.
بعد أكثر من عقدين، عاد بكري إلى المخيم نفسه بفيلمه "جنين 2023"، موثّقاً مجزرة إسرائيلية جديدة. وإلى جانب هذين العملين، أنجز بكري فيلم "1948" الذي تناول النكبة من خلال الشهادات الحيّة، وظهر فيه والده شاهداً على تلك المرحلة، وفيلم "من يوم ما رحت" الذي استحضره فيه الروائي الراحل إميل حبيبي بوصفه أباً رمزياً ومرآة لتجربة فلسطينيي الداخل.
وفي مقابلة أجراها مع "العربي الجديد" العام الماضي، قال محمد بكري عن إنجازه لفيلمي جنين: "هناك فارق كبير بين الريبورتاج الصحافي أو المقاطع المصورة المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي، وبين الفيلم الوثائقي الذي يمتاز بجوانبه الفنية، فالأخير يتقاطع مع الفيلم الروائي، كونه يصل إلى أعماق الناس، ويترك فيهم أثراً من دون أن يؤلم أرواحهم ويرهبهم، أو يعرضهم إلى صدمة نفسية".
وأضاف: "الفيلم الوثائقي أكثر استساغة للمتلقي من الريبورتاجات والمقاطع التوثيقية الخام التي تُستثمر في الإعلام، والإعلام وظيفته التهويل والتضخيم".