
أكد الرئيس أحمد الشرع أن سوريا اليوم تسير نحو الاستقرار والانفتاح على المجتمع الدولي بعد عقود من العزلة والحصار الاقتصادي سببتها سياسات النظام البائد، مشيراً إلى أن رفع العقوبات، ولا سيما قانون قيصر سيكون عاملاً أساسياً في تعزيز جهود التعافي الاقتصادي.
وفي حوار أجراه مع الصحفية كريستيان أمانبور كبيرة مذيعي الشؤون الدولية في شبكة CNN التلفزيونية، ضمن مشاركته في منتدى الدوحة 2025 المنعقد في العاصمة القطرية تحت شعار “ترسيخ العدالة.. من الوعود إلى الواقع الملموس”، شدد الرئيس الشرع على أن إسرائيل تحاول الهروب من المجازر التي ترتكبها في قطاع غزة عبر تصدير الأزمات إلى دول المنطقة، موضحا أن سوريا منذ التحرير أرسلت رسائل إيجابية لإرساء دعائم الاستقرار، لكن إسرائيل قابلتها بعنف شديد، حيث شنت أكثر من ألف غارة ونفذت 400 توغل داخل الأراضي السورية.
وبيّن الرئيس الشرع أن سوريا تعمل مع القوى الدولية للضغط على إسرائيل للانسحاب من الأراضي التي احتلتها بعد الثامن من كانون الأول 2024، وجميع الدول تؤيد هذا المطلب، مؤكداً ضرورة التزام إسرائيل باتفاق فض الاشتباك لعام 1974، وأن أي اتفاق يجب أن يضمن مصالح سوريا أولاً.
وفيما يلي النص الكامل للحوار:
سؤال: هل تعتقد أنه تم دمج سوريا بشكل كامل في المجتمع الدولي وهل تأمل أيضاً أن المستقبل على طريق الإصلاح؟
قال الرئيس الشرع:
إن سوريا مرت بمراحل خطيرة خلال المئة سنة الماضية وبالأخص الستين سنة الماضية، حيث كانت تعيش في حالة عزلة كبيرة وفي حصار اقتصادي خانق، جراء سياسات النظام البائد التي دفعت أغلب الأطراف الإقليمية ومعظم الأطراف الدولية للانكفاء عن سوريا، لذلك حُرم العالم من سوريا كما حُرمت منه.
وأضاف: في مثل هذه الأيام كنا نتهيأ للدخول إلى دمشق، وكنتم في هذا المؤتمر، وربما غيّرنا مخطط هذا المؤتمر في ذاك الوقت أثناء التقدم العسكري الذي كان يحصل، وبعد يومين تقريباً من الآن كان إعلان دخول دمشق.
وتابع: خلال السنة الماضية استعادت سوريا الكثير من علاقاتها الإقليمية والدولية وتجاوزت سوريا اليوم مرحلة ترطيب العلاقات، ووفينا بكل ما تكلمناه في بداية وصولنا إلى دمشق، ما شكل ثقة كبيرة عند كل الأطراف الإقليمية والدولية وبالتأكيد نحن نسير في المسار الصحيح وكل الخطوات التي اتخذناها صبّت في المصلحة العامة السورية.
وقال: إن سوريا اليوم استعادت موقعها الإقليمي والدولي المهم وتحولت من منطقة مصدرة للأزمات إلى منطقة يمكن أن تكون نموذجا حياً للاستقرار الإقليمي في المنطقة، وبالتالي أدرك العالم هذه الفرصة بسرعة كبيرة وبادل سوريا الانفتاح بشكل سريع للاستفادة من موقعها ومن تأثيرها الإقليمي لإرساء دعائم الاستقرار في المنطقة.
سؤال: إسرائيل تطالب بمنطقة منزوعة السلاح في الجنوب، ما ردكم على هذه المطالبات؟
قال الرئيس الشرع: إن إسرائيل دائماً تصدر الأزمات إلى الدول الأخرى محاولة الهروب من المجازر المروعة التي ترتكبها في غزة فتحاول أن تصدر الأزمات، وتبرر كل شيء بالمخاوف الأمنية، وتقيس على 7 تشرين الأول 2023 ما يحصل من حولها، بينما سوريا منذ التحرير أرسلت رسائل إيجابية لإرساء دعائم الاستقرار الإقليمي.
وأضاف: سوريا منذ التحرير أرسلت رسائل إيجابية تجاه السلام والاستقرار الإقليمي وأعلنت صراحة أنها ستكون بلد الاستقرار وأنها غير معنية في أن تكون مصدرة للنزاعات، ولكن إسرائيل قابلت سوريا بعنف شديد وشنت عليها أكثر من ألف غارة حتى اليوم ونفذت أكثر من 400 توغل وكان آخر هذه الاعتداءات المجزرة التي ارتكبتها في بلدة بيت جن بريف دمشق وراح ضحيتها العشرات.
وتابع: نحن نستعين على هذا الأمر بإقناع الدول الفاعلة إقليمياً وأيضاً الدول العالمية، فكل العالم اليوم يؤيد سوريا في مطالبها في إعادة الأوضاع إلى ما قبل الثامن من كانون الأول وانسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في الجنوب، كما تصر سوريا على ضرورة التزام إسرائيل باتفاق فض الاشتباك عام1974، الذي يحصل على إجماع دولي وإجماع من مجلس الأمن، مشيراً إلى أن البحث عن اتفاقات أخرى كمنطقة عازلة أو ما شابه ذلك، ربما يدخلنا في مكان خطر لا نعلم حدوده لذلك من الأفضل الالتزام باتفاق 1974.
وأضاف الرئيس الشرع: يتحدثون عن منطقة منزوعة السلاح، وإسرائيل دائماً ما تقول إنها تخشى أن تتعرض لهجمات من المنطقة الجنوبية في سوريا، فمن سيتولى حماية هذه المنطقة إن لم يكن هناك تواجد للجيش السوري ولقوات الأمن السورية؟ هناك مفاوضات تجري الآن والولايات المتحدة الأمريكية منخرطة معنا فيها وجميع الدول تدعم مطلبنا بانسحاب إسرائيل إلى ما قبل 8 كانون الأول 2024 ومعالجة المخاوف الأمنية المنطقية بحيث يخرج كلا الطرفين في حالة أمان، ثم عن سوريا هي التي تتعرض إلى هجمات إسرائيلية وليست سوريا من تقوم بالهجمات على إسرائيل، فمَن الأولى أن يطالب بمنطقة عازلة وانسحاب؟
سؤال: في ظل الحديث عن أن سقوط الأسد يشكل بداية فصل جديد لسوريا، هناك مخاوف داخلية لدى البعض تتعلق بالوحدة الوطنية والتشرذم وخصوصاً بين الأقليات، إضافة إلى استمرار العقوبات مثل قانون قيصر، هل تعتبرون هذه التحديات أولوية كافية لتوحيد البلاد والوفاء بوعدكم في هذا المجال؟
قال الرئيس الشرع: أنا أخالفكم في توصيف حالة أن الناس يشعرون بالخوف في سوريا، اليوم سوريا منذ أسبوع من الآن إلى بضعة أيام أخرى، تشهد نزول الملايين بشكل عفوي إلى الشوارع والساحات يعبرون عن فرحتهم بإسقاط النظام فهل هؤلاء خائفون؟ سوريا بالعكس تعيش في أفضل ظروفها.
ليس هناك بلد لا يعاني من بعض المشاكل الداخلية أو لا توجد سلطة في العالم تحصل على توافق مئة في المئة، وخاصة أن سوريا كما تعلمون منذ مئة عام تقريبا مرت بظروف متعددة كانت منها مرحلة ما قبل الاستقلال التام عن الاحتلال الفرنسي ثم مرحلة الانقلابات ثم حكم النظام البائد خلال ال 60 سنة الماضية.
وأضاف: إن النظام السابق أورثنا نزاعات كثيرة حيث كان يستخدم طوائف ضد طوائف أخرى، ولكن نحن منذ بداية معركة ردع العدوان غلّبنا حالة العفو والصفح لأجل مستقبل مستدام آمن للشعب السوري.
وتابع: قمنا أيضاً بإشراك جميع المكونات في تشكيل الحكومة وفي المؤتمر الوطني، فالكثير من الإجراءات التي قمنا بها ساعد على تهدئة الأوضاع لأن الكثير من الدول التي يحصل فيها نزاعات دخل في دوامة ما بعد النزاع لوقت أطول من الحرب ذاتها، ونحن حاولنا أن نقوم بإجراءات متتالية وكانت أغلبها ناجحة، لكن لنكن واقعيين أيضاً: هل تطالب سوريا بأن تحصل على توافق مئة في المئة؟ هذا الأمر لا يحدث حتى في الدول المتقدمة والمستقرة، وسوريا انتقلت من نظام حكم إلى نظام آخر لا يشبهه على الإطلاق، وبعد نجاح الثورة الشعبية أيضاً هناك متضررون من هذا الانتقال وهناك مستفيدون كثر من النظام السابق ومع هذا حققنا إنجازات كثيرة خلال السنة الماضية، مشيراً إلى أنه رغم بعض الإشكاليات التي حصلت، تسير سوريا بمسار إيجابي نحو الاستقرار والنمو الاقتصادي.
وقال: خلال السنة الماضية شهدنا نمواً اقتصادياً تدريجياً، وتحسناً في البيئة الخدمية، الكهرباء كانت تأتي تقريباً ساعة ونصف في اليوم، ووصلنا إلى 12 ساعة وصل، وفي نهاية هذا العام إن شاء الله نحقق اكتفاء ذاتياً في الكهرباء، كما نعمل على تطوير القطاع الخدمي بشكل مستمر، فسوريا ذاهبة إلى بيئة اقتصادية ناهضة والاستثمارات الاقتصادية التي ستحصل ستساعد بشكل كبير على تحقيق الاستقرار.
وأضاف: لذلك نحن طالبنا الولايات المتحدة وجلسنا مع أعضاء الكونغرس عدة مرات لإقناعهم برفع قانون قيصر الذي وضع بالأساس لمحاسبة النظام السابق لأنه ارتكب جرائم بحق الشعب السوري، ولا ينبغي أن يكون اليوم أداة لتجويع الشعب السوري من جديد، وحققنا نتائج جيدة في هذا المجال وأكثر من 95 في المئة من الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة الرئيس دونالد ترامب يدعم مسار رفع العقوبات عن سوريا وأغلب دول العالم أيضاً على نفس النهج، لذلك لا ينبغي أن يكون أيضاً مصير الشعب السوري “25” مليون إنسان مرتبطاً ببعض الأشخاص غير المقتنعين برفع العقوبات، لافتاً إلى أن الأمور ذاهبة باتجاه رفع العقوبات.
سؤال: هناك بعض الخوف عند الأقليات في سوريا، وما جرى في الساحل والسويداء، من هذا المنبر ما الذي ستفعله من أجل أن يشعروا بأنهم جزء من سوريا الموحدة؟
قال الرئيس الشرع: بدايةً سوريا هي التي عرّفت معنى التعايش السلمي عبر كل تاريخها، نحن نتكلم عن حضارة عمرها أكثر من 8000 سنة، وسوريا هي التي تعطي دروساً للعالم كيف يعيش الناس مع بعضهم، فاليوم نحن لا نستطيع أن نُعرّف الثورة أنها كانت ثورة سُنيّة فحسب لأن كل أطياف ومكونات الشعب السوري شاركت في هذه الثورة، والمسيحيون تأذوا أيضاً من النظام السابق، وحتى العلويون هم أكثر من دفع ضريبة ممارسات النظام السابق من التجويع والفقر، وأنا أيضاً لست مع القول بأن العلويين كلهم كانوا مع النظام أو منتفعين منه، وكان يعيش بعضهم في حالة من الخوف والرعب فيما لو انتهى حكم النظام السابق.
وأضاف: نحن الآن ورثنا مشكلة كبيرة لا ذنب لنا فيها، وكلنا فيها ضحايا ويجب أن نعالجها بحكمة شديدة جداً.. حصلت نزاعات نعم، لكن شكّلنا لجان تقصي حقائق واستقبلنا لجان تقصي حقائق دولية، ونعمل على محاكمة مرتكبي الجرائم في الساحل والسويداء.
وتابع: هذه الإفرازات غير الجيدة في مستواها الأدنى، رغم فظاعة ما جرى، ونحن لا نبررها، ويجب أن نحاسب ونشدد على مواجهة هذا الأمر، ومن بدأ هذا الأمر هم أشخاص من فلول النظام السابق ثم تطور إلى أن وصل إلى ما وصل إليه، لكن أقول إن سوريا دولة قانون والقانون هو الذي يحكمها وهو الذي يحافظ ويصون حقوق الجميع.
وقال: سوريا ليست مجموعة من الطوائف تعيش مع بعضها، سوريا بلد غني وشعب مثقف وواعٍ، ولديها موارد متنوعة، وتعزيز مبدأ القانون والمحاسبة من خلال القانون وتعزيز دور المؤسسات وبناء الدولة الجديدة هو الطريق الذي نصل به إلى ضمان حقوق الجميع.
وأضاف: تحاورنا مع كل الأطراف وحاولنا أن نثبّت مبدأ الشراكة للجميع وليس المحاصصة، فسياسة تقسيم السلطة على الطوائف والأعراق خاطئة وينبغي أن تكون الحكومات تكنوقراط من الكفاءات بغض النظر عن هوية هذا الشخص أو عرقه أو دينه وهذا هو الذي عملنا عليه، فاليوم الطوائف كلها ممثلة في الحكومة السورية لكن بعيداً عن المحاصصة، وفي هذا تسلك سوريا مساراً جديداً سيتعلم منه الآخرون كيف تدار الأمور ما بعد الأزمات والحروب.
ورداً على سؤال حول الانتخابات قال الرئيس الشرع: سوريا ليست قبيلة، بل بلد متطور، ونظام الحكم في أي دولة يرتبط ارتباطاً وثيقاً مع ثقافة البلد والمرحلة التاريخية التي تسبق إنشاءه، وسوريا بلد قائم على الانتخابات، ونحن عملياً لسنا جاهزين بهذا الوقت لإجراء انتخابات على مستوى التمثيل البرلماني بسبب ضياع وثائق الكثير من الناس، لكن مع ذلك خضنا غمار الانتخابات بطريقة تتناسب مع حالة المرحلة الانتقالية، ومبدأ اختيار الشعب من يحكم هو مبدأ أساسي تعارفت عليه البشرية وأيضاً ينص عليه ديننا الإسلامي حيث يجب أن ينال الحاكم رضا غالبية الشعب، وأنا أؤمن بذلك، ولا ينبغي أن نربط سوريا بالأشخاص بل ببناء مؤسسات قادرة على الاستمرار إلى ما لا نهاية، وهذا هو التحدي الآن خلال المرحلة الانتقالية.
وأضاف: بعد التحرير أجرينا مؤتمر حوار وطني شامل انبثق منه إعلان دستوري مؤقت، وهذا الإعلان أعطى صلاحية للرئيس بالاستمرار خمس سنوات سيتم خلالها إصدار الكثير من القوانين وسيكتب الدستور الذي سيكون المرجعية الأساسية لنظام الحكم، وبعد 4 سنوات سنذهب بالتأكيد للانتخابات.
وفيما يتعلق بالإرهاب قال الرئيس الشرع: هناك الكثير من الأحكام المسيسة والحكم على أشخاص بأنهم إرهابيون يحتاج إلى أدلة وإثباتات وهناك تعاريف متعددة للإرهاب واختلاط في فهم معناه، وأرى أن الإرهابي هو من يقتل الأطفال والأبرياء ويستخدم الوسائل غير الشرعية في إيذاء الناس، ولو طبقنا هذا التوصيف على دول عدة في العالم نجده في عدد الضحايا الذين وقعوا في غزة، وهم نحو 70 ألف إنسان من الأبرياء، وفي عهد النظام البائد قُتل أكثر من مليون سوري، وغُيّب أكثر من 250 ألف شخص، وهُجر أكثر من 13 مليون إنسان، وهناك حروب حصلت في المنطقة كالعراق وأفغانستان، راح فيها ضحايا أغلبهم من الأبرياء، والقتلة هم من يصفون الآخرين بالإرهابيين، وأعتقد أنه أصبح لدى الناس وعي بمعنى كلمة “إرهابي” ومن يستحق هذه الصفة بالضبط.
وأضاف: نحن بأيدينا كسرنا قيود السجون التي كانت تعذب الناس وتُغتَصب النساء والأطفال داخلها، نحن من حررنا وكسرنا قيد سجن صيدنايا الذي كان يحرق عظام الناس بالأسيد، والواقع هو من يكذب المعايير المزدوجة التي يسعى البعض إلى ترويجها.
وبخصوص حقوق المرأة في سوريا شدد الرئيس الشرع على أنها محفوظة ومصانة، وعلى ضمان حصولها عليها وتمكينها في المجتمع، مشيراً إلى الجهود المبذولة لضمان مشاركتها في الحكومة ومجلس الشعب، وقال: ليس هناك خوف على المرأة السورية.